فصل: تفسير الآية رقم (69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (62- 65):

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله} الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة. {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من لحوق مكروه. {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لفوات مأمول. والآية كمجمل فسره قوله: {الذين ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} وقيل الذين آمنوا وكانوا يتقون بيان لتوليهم إياه.
{لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا} وهو ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وما يريهم من الرؤيا الصالحة وما يسنح لهم من المكاشفات، وبشرى الملائكة عند النزع. {وَفِي الأخرة} بتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة بيان لتوليه لهم، ومحل {الذين كَفَرُواْ} النصب أو الرفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء وخبره {لَهُمُ البشرى}. {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} أي لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده. {ذلك} إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين. {هُوَ الفوز العظيم} هذه الجملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه، وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله.
{وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} إشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم. وقرأ نافع {يَحْزُنكَ} من أحزنه وكلاهما بمعنى. {إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً} استئناف بمعنى التعليل ويدل عليه القراءة بالفتح كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بهم لأن الغلبة لله جميعاً لا يملك غيره شيئاً منها فهو يقهرهم وينصرك عليهم. {هُوَ السميع} لأقوالهم. {العليم} بعزماتهم فيكافئهم عليها.

.تفسير الآية رقم (66):

{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)}
{أَلا إِنَّ للَّهِ مَن في السموات وَمَن في الأرض} من الملائكة والثقلين، وإذا كان هؤلاء الذين هم أشرف الممكنات عبيداً لا يصلح أحد منهم للربوبية فما لا يعقل منها أحق أن لا يكون له نداً أو شريكاً فهو كالدليل على قوله: {وَمَا يَتَّبِعُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء} أي شركاء على الحقيقة وإن كان يسمونها شركاء، ويجوز أن يكون {شُرَكَاء} مفعول {يَدَّعُونَ} ومفعول {يَتَّبِعُ} محذوف دل عليه. {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} أي ما يتبعون يقيناً وإنما يتبعون ظنهم أنها شركاء، ويجوز أن تكون {مَا} استفهامية منصوبة ب {يَتَّبِعُ} أو موصولة معطوفة على من وقرئ: {تدعون} بالتاء الخطابية والمعنى: أي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين، أي أنهم لا يتبعون إلا الله ولا يعبدون غيره فما لكم لا تتبعونهم فيه كقوله: {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} فيكون إلزاماً بعد برهان وما بعده مصروف عن خطابهم لبيان سندهم ومنشأ رأيهم. {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبون فيما ينسبون إلى الله أو يحزرون ويقدرون أنها شركاء تقديراً باطلاً.

.تفسير الآية رقم (67):

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}
{هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً} تنبيه على كمال قدرته وعظم نعمته المتوحد هو بهما ليدلهم على تفرده باستحقاق العبادة، وإنما قال: {مُبْصِراً} ولم يقل لتبصروا فيه تفرقة بين الظرف المجرد والظرف الذي هو سبب. {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سماع تدبر واعتبار.

.تفسير الآية رقم (68):

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}
{قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} أي تبناه. {سبحانه} تنزيه له عن التبني فإنه لا يصح إلا ممن يتصور له الولد وتعجب من كلمتهم الحمقاء. {هُوَ الغنى} علة لتنزيهه فإن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة. {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} تقرير لغناه. {إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بهذا} نفي لمعارض ما أقامه من البرهان مبالغة في تجهيلهم وتحقيقاً لبطلان قولهم، و{بهذا} متعلق ب {سلطان} أو نعت {لَهُ} أو ب {عِندَكُمْ} كأنه قيل: إن عندكم في هذا من سلطان. {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم. وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لابد لها من قاطع وأن التقليد فيها غير سائغ.

.تفسير الآية رقم (69):

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)}
{قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه. {لاَ يُفْلِحُونَ} لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة.

.تفسير الآية رقم (70):

{مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}
{متاع في الدنيا} خبر مبتدأ محذوف أي افتراؤهم متاع في الدنيا يقيمون به رئاستهم في الكفر أو حياتهم أو تقلبهم، {متاع} مبتدأ خبره محذوف أي لهم تمتع في الدنيا. {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} بالموت فيلقون الشقاء المؤبد. {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} بسبب كفرهم.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)}
{واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} خبره مع قومه. {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياقوم إَِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ} عظم عليكم وشق. {مَّقَامِى} نفسي كقولك فعلت كذا لمكان فلان، أو كوني وإقامتي بينكم مدة مديدة أو قيامي على الدعوة. {وَتَذْكِيرِى} إياكم. {بِآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} وثقت به. {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} فأعزموا عليه. {وَشُرَكَاءكُمْ} أي مع شركائكم ويؤيده القراءة بالرفع عطفاً على الضمير المتصل، وجاز من غير أن يؤكد للفصل وقيل إنه معطوف على {أَمَرَكُمُ} بحذف المضاف أي وأمر شركائكم. وقيل إنه منصوب بفعل محذوف تقديره وادعوا شركاءكم وقد قرئ به، وعن نافع {فَأَجْمِعُواْ} من الجمع، والمعنى أمرهم بالعزم أو الاجتماع على قصده والسعي في إهلاكه على أي وجه يمكنهم ثقة بالله وقلة مبالاة بهم. {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ} في قصدي. {عَلَيْكُمْ غُمَّةً} مستوراً واجعلوه ظاهراً مكشوفاً، من غمه إذا ستره أو ثم لا يكن حالكم عليكم غماً إذا أهلكتموني وتخلصتم من ثقل مقامي وتذكيري. {ثُمَّ اقضوا} أدوا. {إِلَىَّ} ذلك الأمر الذي تريدون بي، وقرئ: {ثم أفضوا إليَّ} بالفاء أي انتهوا إلي بشركم أو ابرزوا إلي، من أفضى إذا خرج إلى الفضاء. {وَلاَ تُنظِرُونَ} ولا تمهلوني.

.تفسير الآية رقم (72):

{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}
{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن تذكيري. {فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} يوجب توليكم لثقله عليكم واتهامكم إياي لأجله، أو يفوتني لتوليكم. {إِنْ أَجْرِىَ} ما ثوابي على الدعوة والتذكير. {إِلاَّ عَلَى الله} لا تعلق له بكم يثيبني به آمنتم أو توليتم. {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} المنقادين لحكمه لا أخالف أمره ولا أرجو غيره.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}
{فَكَذَّبُوهُ} فأصروا على تكذيبه بعدما ألزمهم الحجة وبين أن توليهم ليس إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب. {فنجيناه} من الغرق. {وَمَن مَّعَهُ في الفلك} وكانوا ثمانين. {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ} من الهالكين به. {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} بالطوفان. {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول صلى الله عليه وسلم وتسلية له.

.تفسير الآية رقم (74):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)}
{ثُمَّ بَعَثْنَا} أرسلنا. {مِن بَعْدِهِ} من بعد نوح. {رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ} كل رسول إلى قومه. {فَجَاءوهُم بالبينات} بالمعجزات الواضحة المثبتة لدعواهم. {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر وخذلان الله إياهم. {بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} أي بسبب تعودهم تكذيب الحق وتمرنهم عليه قبل بعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام. {كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلوبِ المعتدين} بخذلانهم لانهماكهم في الضلال واتباع المألوف، وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد وقد مر تحقيق ذلك.

.تفسير الآية رقم (75):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)}
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} من بعد هؤلاء الرسل. {موسى وهارون إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بآياتنا} بالآيات التسع. {فاستكبروا} عن اتباعهما. {وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} معتادين الإجرام فلذلك تهاونوا برسالة ربهم واجترؤوا على ردها.

.تفسير الآية رقم (76):

{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)}
{فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا} وعرفوه بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك. {قَالُواْ} من فرط تمردهم. {إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر أنه سحر، أو فائق في فنه واضح فيما بين إخوته.

.تفسير الآيات (77- 81):

{قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)}
{قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمَّا جَاءكُمْ} إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه، ولا يجوز أن يكون. {أَسِحْرٌ هذا} لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم، ويجوز أن يكون معنى {أَتقُولُونَ لِلْحَقّ} أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} فيستغني عن المفعول.
{وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون} من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحراً لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة، ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر، أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكياً كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون.
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} لتصرفنا واللفت والفتل أخوان. {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} من عبادة الأصنام. {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء في الأرض} الملك فيها سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر، أو التكبر على الناس باستتباعهم. {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين فيما جئتما به.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائتونى بِكُلّ ساحر} وقرأ حمزة والكسائي {بكل سحار}. {عَلِيمٌ} حاذق فيه. {فَلَمَّا جَاء السحرة قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ}.
{فَلَمَّا أَلْقُواْ قَالَ موسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر} أي الذي جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحراً. وقرأ أبو عمرو {السحر} على أن {مَا} استفهامية مرفوعة بالابتداء وجئتم به خبرها و{السحر} بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره أهو السحر، أو مبتدأ خبره محذوف أي السحر هو. ويجوز أن ينتصب ما يفعل يفسره ما بعده وتقديره أي شيء أتيتم. {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} سيمحقه أو سيظهر بطلانه. {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} لا يثبته ولا يقويه وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}
{وَيُحِقُّ الله الحق} ويثبته. {بكلماته} بأوامره وقضاياه وقرئ: {بكلمته}. {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} ذلك.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}
{فَمَا ءامَنَ لموسى} أي في مبدأ أمره. {إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ} إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفاً من فرعون إلا طائفة من شبانهم، وقيل الضمير ل {فِرْعَوْنُ} والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به، أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنه وزوجته وماشطته {على خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} أي مع خوف منهم، والضمير ل {فِرْعَوْنُ} وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء، أو على أن المراد ب {فِرْعَوْنُ} آله كما يقال: ربيعة ومضر، أو للذُريةِ أو للقوم. {أَن يَفْتِنَهُمْ} أن يعذبهم فرعون، وهو بدل منه أو مفعول خوف وإفراده بالضمير للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسببه. {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض} لغالب فيها. {وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين} في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء.